قضاء الاعتكاف ومضاعفته
إن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأعمال تظهر خلقا واضحا وسلوكا دائما تجاه العمل الصالح؛ وهو محبته -صلى الله عليه وسلم- المداومة على الصالحات، ومواصلة القربات. ولذلك رأيناه إذا عمل من الصالحات عملا -وإن كان مستحبا لا واجبا- داوم عليه، فإن تركه لعذر قضاه.
والاعتكاف أحد الأمثلة الواضحة على هذا الهدي النبوي الكريم؛ فقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرع في اعتكافه عاما، فضرب قبته، فاستأذنته عائشة فأذن لها، فضربت لها قبة. فما لبث نساؤه أن عرفن ذلك، فتوافدن إلى المسجد كل تضرب لها قبة، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، استشعر أن دافعهن هو الغيرة، والمسابقة في القرب منه صلى الله عليه وسلم، فقال لهن: "آلبر تردن؟" فنقض اعتكافه ذلك الشهر، وأمرهن أن ينقضن أخبيتهن، ثم اعتكف في شوال، ولم يَرِد أنهن اعتكفن معه" رواه البخاري ومسلم.
وقد صنع ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما اضطر إلى ترك الاعتكاف، فروى الترمذي عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعتكف عاما في رمضان، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين" رواه الترمذي.
وهذا دليل واضح على أن من قطع اعتكافه بعذر أو بغير عذر استحب له قضاؤه في أي وقت شاء.
أما من نذر أن يعتكف يومًا أو أيامًا ثم بدا له أن يقطعه بعد الشروع فيه، فقطعه فعلاً فعليه القضاء اتفاقًا؛ لأن النذر واجب الوفاء لا يسقط إلا بالقضاء.